هام، خطيــر ؛ أزمة البنوك السورية بالوثائق ودعوة لسحب الأرصدة والحسابات منها
----...---------------------------------------------------------------------------------------
تعالت في الآونة الأخيرة عدة آراء ودعوات لسحب الأرصدة والودائع من البنوك السورية بعد انطلاق الثورة السورية المباركة وقد رافقها دعوات مضادة من مناصري النظام بعدم سحب الأرصدة والودائع من البنوك لا بل على العكس بضرورة وضع أي مدخرات أو أموال يملكها الناس في المصارف سواء كانت حكومية أو خاصة وذلك لدعمها وحماية الليرة السورية من الهبوط
وفي البداية السؤال البديهي: هل هناك من خطر على الأموال والأرصدة المودعة لدى البنوك السورية في هذا الوقت ؟
وللإجابة على السؤال لا بد من توضيح آلية عمل البنوك عموما فهي بشكل عام تقوم بدور الوسيط بين أصحاب الحسابات الجارية والمودعين من جهة وبين المستثمرين من جهة ثانية، أي أن البنك يأخذ النقود من أصحاب الودائع ويقوم بإقراضها للمستثمرين أو المقترضين، ويتدخل البنك المركزي في هذه العملية بأن يطلب من البنوك أن تقوم بإيداع جزء من أموالها لديه وفي حال حدوث أي مشكلة أو أزمة يستطيع البنك المركزي تمويل البنك من تلك الأموال.
وللتبسيط نعطي مثال عن بنك (س) مثلا ولنفترض أن زبائنه من المواطنين السوريين قاموا بإيداع 5 مليارات ليرة سورية لديه، عندها يقوم بوضع نصف مليار كاحتياطي منها لدى مصرف سوريا المركزي، ثم يقوم بالاحتفاظ بنص مليار آخر لمواجهة حالات طلب النقد والسيولة ثم يستثمر 4 مليارات بإقراضها إلى المستثمرين
طبعا هنا يوجد نقطة هامة يجب التأكيد عليها وأن تكون واضحة للجميع وهي أن آلية العمل هذه لا تكون ممكنة إلا في حالة الاستقرار والهدوء فمثلا لو اتفق جميع المودعين وأصحاب الحسابات الجارية لدى بنك (س) بسحب الـ 5 مليارات ليرة سورية في وقت واحد بنفس الوقت فسوف يفلس البنك (س). لأنه لن يستطيع أن يطلب من المستثمرين أن يقوموا بسداد الـ 4 مليارات فوراً وبالتالي سيعتمد بداية على النصف مليار الموجودة لديه، ثم سيطلب من البنك المركزي أن يعطيه النصف مليار الموجودة لدى البنك المركزي، وأخيراً سيعلن إفلاسه.
والآن لا بد من التوضيح هل حدث بسوريا سحب كبير للنقود من البنوك أم لا.
الإجابة هي نعم حتى اللحظة فمنذ بداية الاحتجاجات في منتصف شهر آذار بدأ التجار وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بسحب أموالهم من البنوك الخاصة والعامة، وأقدم لكم ثلاثة أدلة عن السحوبات الكبيرة في البنوك:
الدليل الأول: بالعودة لموقع بورصة دمشق ومتابعة البيانات المالية لعدد من البنوك الخاصة في الفترة المنتهية بتاريخ 31 آذار (مارس) 2011 فقد قمت بإعداد الجدول التالي والذي يقارن ودائع الزبائن والعملاء مع ما كانت عليه بنهاية سنة 2010:
البنك العربي
35,302,878,075 -------------الودائع بنهاية عام 2010
31,947,576,397 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
3,355,301,678 --------------------- مقدار الانخفاض
فرانس بنك
13,086,961,308 -------------الودائع بنهاية عام 2010
10,537,891,870 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
2,549,069,438 --------------------- مقدار الانخفاض
بنك عودة
81,812,748,082 -------------الودائع بنهاية عام 2010
72,652,636,210 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
9,160,111,872 --------------------- مقدار الانخفاض
بنك سوريا والمهجر
83,483,479,322 -------------الودائع بنهاية عام 2010
78,407,177,164 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
5,076,302,158 --------------------- مقدار الانخفاض
بنك بيمو
103,560,475,778 -------------الودائع بنهاية عام 2010
93,592,209,568 --------------الودائع بنهاية آذار 2011
9,968,266,210 --------------------- مقدار الانخفاض
المصرف الدولي للتجارة والتمويل
59,280,869,185 -------------الودائع بنهاية عام 2010
53,696,358,419 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
5,584,510,766 --------------------- مقدار الانخفاض
بنك سوريا الدولي الإسلامي
66,693,875,864 -------------الودائع بنهاية عام 2010
59,389,761,033 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
7,304,114,831 --------------------- مقدار الانخفاض
----------
الإجمالي
----------
443,221,287,614 -------------الودائع بنهاية عام 2010
400,223,610,661 -------------الودائع بنهاية آذار 2011
42,997,676,953 --------------------- مقدار الانخفاض
وهكذا وبغض النظر عن البنكان الحكوميان الكبيران وهما التجاري والعقاري واللذان لا يوجد عنهما بيانات مالية منشورة فإننا نجد أن هناك ما يقارب الـ 43 مليار ليرة سورية (حوالي مليار دولار) انخفاض في الودائع في البنوك المدرجة أعلاه، وهي مبالغ تم سحبها من البنوك حتى تاريخ 31 آذار أي في بدايات الثورة السورية، ولا ندري الآن وقد شارف شهر حزيران على الانتهاء ما هي المبالغ التي تم سحبها.
الدليل الثاني: تصريح السيد عبد القادر الدويك مدير عام بنك سوريا الدولي الإسلامي بأنه تم سحب ما يقارب الـ 680 مليون دولار من البنوك الخاصة السورية أي ما يمثل 7% من الودائع
الدليل الثالث: اعتاد مصرف سوريا المركزي على نشر إحصائيات عن البنوك والحركة المالية في سوريا في موقعه الالكتروني ولكن المراقبون للموقع يلاحظون أن نشر البيانات قد توقف عند شهر شباط (فبراير) 2011 ولم يعد ينشر أي معلومات بعد هذا التاريخ.
إن الأدلة السابقة لا تدع مجالاً للشك أن هناك أزمة حقيقية في البنوك السورية وبالتأكيد فإن المواطن السوري داخل سوريا قد لمس هذه الأزمة بشكل واقعي.
السؤال المطروح هنا هو كيف نحمي أنفسنا من هذه الأزمة:
الإجابة بكل بساطة هو الامتناع عن وضع نقودنا وأرصدتنا في المصارف السورية وسحب جميع حساباتنا بكل أشكالها من ودائع أو حسابات جارية من المصارف سواء كانت مصارف خاصة حكومية، وطبعا فإن بعض الناس قد يخاف على أمواله من خطر السرقة خاصة في الظروف الحالية في سوريا والحل هو إيداع هذه الأموال في بنوك خارج سوريا.
قد يعترض البعض على كلامي بأني بهذه الطريقة أدفع لنشوب أزمة، ولكن سأكون واضح وصريح مع المنتقدين كما يلي: إن كبار التجار وأزلام السلطة والمستفيدين منها كانوا أول من سحب أرصدتهم من البنوك السورية وقاموا بتحويلها إلى الخارج لمعرفتهم بأن النظام المصرفي السوري ليس قوياً بما فيه الكفاية لضمان أموالهم وثرواتهم، ومن بقي الآن يتعامل مع البنوك هم الناس البسطاء الذين أفنوا عمراً في تجميع بعض المدخرات، وهؤلاء بمجرد اشتداد الأزمة سيكونون المتضرر الوحيد من انهيار البنوك في سوريا، فبالتأكيد لن يتضرر رامي مخلوف أو محمد حمشو أو صائب نحاس أو حتى أبناء دعبول أو سنقر من انهيار البنوك فهؤلاء الأغنياء (بغض النظر عن مصادر ثرواتهم)، يعرفون بالضبط كيف يوزعون أموالهم بين البنوك الداخلية والخارجية كما أن أرصدتهم البنكية ليست سوى جزء يسير من ثرواتهم ولن تكون الخسارة بالنسبة لهم سوى خسارة صغيرة، ولكن المواطن البسيط الذي لا يملك سوى المئة ألف ليرة سورية والتي أدخرها على مر عشرات السنين ويودعها الآن في أحد البنوك، فسوف يستيقظ ذات يوم ليجد أن ما يملكه قد اختفى بالكامل. وبالتالي من يتحمل الآن فعلياً خطر الخسارة والانهيار ليس الأغنياء وكبار التجار بل صغار التجار والناس العاديين من أبناء الطبقة المتوسطة.
أتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة، كما أرجو تبليغ هذا التحذير لكل من يهمكم أمره.